في كل زاوية من هذا العالم، في كل ثقافة وحضارة، نجد البشر يرقصون ويعزفون الموسيقى كأنها لغة أولى فُطِروا عليها. منذ أقدم العصور، كان الإنسان يقرع الطبول، يُحرك جسده بتناغم، ويرفع صوته بالغناء، ليس لمجرد الترفيه، بل لأن في أعماقه طاقة تحتاج إلى التحرر، إلى التعبير، إلى أن تُترجم في صورة إيقاع وحركة.
الموسيقى الشعبية ليست مجرد أنغام عشوائية، بل هي ذاكرة الشعوب، سجل لمشاعرهم، قصصهم، انتصاراتهم وأحزانهم. كل نغمة تحمل صوت الأجداد، كل إيقاع هو صدى لحياة قديمة لا تزال تنبض في الحاضر. والرقص الشعبي، رغم بساطته، هو تجسيد لذلك التفاعل العميق بين الجسد والروح، بين الأرض التي يقف عليها الإنسان، والسماء التي تفتح له أفقًا لا حدود له.
في الرقص، يجد الإنسان تحرره الحقيقي. في لحظة واحدة، يتحول الجسد إلى أداة للتعبير، تذوب فيه الكلمات، ليصبح الإيقاع هو القائد، والخطوات هي الكلمات التي لا تُقال. بعض الرقصات تُحاكي الطبيعة، كرقصات تحاكي حركة الأمواج أو رفرفة الطيور، وبعضها يحاكي الصراع والقوة، كما في رقصات المحاربين في الثقافات القديمة.
أما الموسيقى، فهي ليست فقط للآذان، بل للقلب والعقل والروح. هناك مقطوعات تجعلك تبكي دون أن تعرف السبب، وأخرى تدفعك للرقص دون تفكير. كيف لمجرد اهتزازات صوتية أن تحرك أعماقنا بهذه الطريقة؟ ربما لأننا، نحن البشر، مخلوقات مصنوعة من الإيقاع، من نبضات القلب، من تنفس منتظم، من حياة تسير في دورة لا تنتهي.
إن الإبداع البشري في الرقص والموسيقى ليس ترفًا، بل حاجة أصيلة، امتداد لغريزة التعبير عن الذات. ربما لهذا السبب نجد أن كل شعب له موسيقاه، كل مجتمع له رقصاته، وكأن الإيقاع هو القاسم المشترك بين كل البشر، مهما اختلفت لغاتهم وحدودهم وثقافاتهم.
في النهاية، الموسيقى والرقص ليسا مجرد فنون، بل هما انعكاس للحياة نفسها. إنهما نبض الإنسان حين يريد أن يقول شيئًا أعمق من الكلمات، حين يريد أن يتجاوز العقل ليصل مباشرة إلى الروح.
ثروان حسين