
ثروان: أسطورة الزمن الذي لا يموت
2025-02-08في زاوية الزمن، حيث تلتقي الحكايات بالأبدية، يقف التراث كروحٍ لا تموت، كحكاية تتجدد مع كل جيل، وكأنه كائن خفي يسكن بيننا، يراقب، يهمس، ويعيد تشكيل ملامحنا دون أن نشعر. هو ليس ماضياً نتركه خلفنا، بل هو ظلٌ طويل يمتد عبر العصور، يأبى أن يتلاشى.
لطالما تساءلت، هل التراث مجرد بقايا لأناس عاشوا ورحلوا، أم أنه كيانٌ حي، يتنفس في كل زقاق قديم، في كل نقشٍ على جدار، في صوت الأغاني الشعبية التي تُرددها الجدات، في رائحة الخبز الذي يُخبز على نارٍ هادئة؟ ربما هو الزمن الذي رفض أن يمضي، فاختبأ في التفاصيل، منتظراً من يكتشفه من جديد.
الرقصات القديمة، هل هي مجرد حركات عشوائية، أم أنها رسائل من الماضي تُحاول أن تخبرنا بشيء لم نفهمه بعد؟ هل النقوش على الأبواب العتيقة مجرد زخارف، أم رموزٌ سحرية تحمل أسرار الحضارات؟ هل القصائد التي تُحفظ عن ظهر قلب هي مجرد كلمات، أم مفاتيح لبوابات نجهل وجودها؟
التاريخ يُقال إنه يُكتب بالحبر، لكن التراث يُكتب بالروح. هو ذاكرة الجماعة، لكنه أيضاً ذاكرة الفرد. هو المرآة التي تعكس من نكون، ومن كنا، ومن قد نصبح. لا يُمكنك أن تلمسه بيدك، لكنه يلمسك من الداخل، يسكنك دون أن تدرك، ويعيد تشكيل أفكارك ببطء، كالماء الذي ينحت الصخر دون أن يحدث ضجيجًا.
العجيب في التراث أنه يتحدى الزمن، يتنكر في أزياء مختلفة، يغير لغته، لكنه يبقى في جوهره ثابتًا، كمن يسير في الحاضر وهو يحمل قلب الماضي وعين المستقبل. وحين تحاول أن تهرب منه، تجده يعود إليك بطريقة أخرى، في لحنٍ تسمعه صدفة، في كلمةٍ تتردد في ذهنك دون سبب، في حنينٍ لا تفهم مصدره.
ترى، هل التراث هو نحن؟ أم نحن انعكاس له؟ هل نحن ورثة الماضي، أم أننا مجرد وسطاء يحملونه إلى المستقبل دون أن ندرك؟ ربما، في النهاية، التراث ليس شيئًا نملكه، بل شيء يملكنا، يختبئ في أعمق زوايانا، يعيش فينا كما نعيش فيه.